نعتذر، إبق في الفضاء، لا يمكننا إعادتك إلى الأرض،الدولة التي أرسلتك لم تعد موجودة.
في سنة 1991 م إنطلق السوفييتي (سيرجي كريكاليف)، إلى محطة الفضاء السوفياتية (مير) من «قاعدة بايكونور السوفيتية»، التي تقع في كازاخستان. لإجراء بعض البحوث.
محطة مير (كانت أكبر و أهم محطة و تبعد عن الأرض بـ 350 كلم).
( كان من المقرر أن يقضي (الرائد)سيرجي مدة لا تزيد عن 5 أشهر فقط تفاديا لإصابته بالسرطان أو حدوث ضمور لعضلاته أو تعرضه لأي إشعاعات ضارة).
بمجرد وصوله إلى المحطة باشر مهمته في الفضاء . و بالمقابل على كوكب الأرض كانت دولته تنهار!
إنتهت مدة سيرجي في الفضاء، و لم يصله أي إرسال من الأرض، فبدأ يكرر إتصالاته و كان الرد هذه الجملة:
{نعتذر لا نستطيع إعادتك الآن}.
إعتقد الرائد (سيرجي) في البداية أن هذا الوضع سيستمر أياما معدودات و يرجع إلى الأرض.
بدأت السنة الجديدة(1992م) و بدأت حالة الرائد (سيرجي) تدهور بسبب عزلته عن البشر، و دورانه حول الأرض التي لم يستطع الوصول إليها، لكنه لم ييأس،
إلى أن وصلته العبارة صريحة
[البلد التي وعدتك بالعودة لم يعد لها وجود أنت مضطر للبقاء في الفضاء]
تقبل الرائد (سيرجي) الأمر و قرر ان يتأقلم مع الوضع بأي طريقة.
و كما كان الرائد (سيرجي) يحارب في الفضاء كانت روسيا في الأرض تحارب لجمع الأموال و ترميم إقتصادها المنهار فأضطرت لبيع كل مقاعدها في صاروخ (سويوز).....فإشترت النمسا مقعدا بـ 7 مليون دولار، و إشترت اليابان رحلة لمذيع تلفزيون ب 12 مليون.
رغم ضخامة قضية رائد الفضاء الذي أطلق عليه (ضحية الفضاء) في الإعلام العالمي و تفاعل الناس معه، ...لم يدفع ذلك أي دولة إلى أن تتبرع بمقعد و تعيد الرائد (سيرجي) إلى الأرض.
مرت الأيام و الشهور، و في شهر مارس
1992م أعلنت دولة ألمانيا بأنها سترسل رائد فضاء و ستدفع 24 مليون ثمن تكاليف عودة الرائد (سيرجي) .
في يوم 25 مارس 1992 إستقبل العالم آخر (مواطن سوفييتي) الإسم الذي أطلق على رائد الفضاء (سيرجي) الذي هبط و هو يرتدي بدلته الفضائية التي عليها الأحرف السوفيتية الأربعة (USSR)
(إتحاد الجمهوريات السوفياتية الاشتراكية) و المنجل الأصفر، حاملا في يده علم دولة لم يعد لها وجودا.
عاد الرائد (سيرجي) نحيلا فاقدا للحركة شاحبا كالطحين، تفوح منه رائحة العرق مثل كتلة من العجين الرطب يحمله أربعة من الرجال، هكذا وصفته الصحف.
بعد 10 أشهر عاد الرائد (سيرجي) إلى وطن غير الوطن الذي تركه. وطن كان كبيرا فأصبح عبارة عن 15 دولة.
عاد و قد تغير كل شيء، فلم تعد ضواحي (أركاليخ) ، المدينة التي هبط بها ضمن دولته بل صارت تتبع دولة كازخستان.
عاد و المدينة التي ولد و عاش فيها (لينينغراد) أصبح إسمها (سان بطرسبرغ).
عاد وقد تقلصت مساحة وطنه بمقدار 5 مليون كلم،
عاد وقد أصبح راتبه الذي كان 600 روبل أصبح نصف راتب سائق حافلة.
لكنه كان متفهما للوضع حيث علق معقبا على مكوثه كل تلك الفترة في الفضاء:
( إن روسيا في هذا الوقت كانت أولويتها توفير الأموال و ليس إنفاقها).
لقد أصبح الرائد (سيرجي) بطلا قوميا لأنه كان بإمكانه العودة إلى الأرض بواسطة كبسولة كانت موجودة على متن المحطة(مير) لكنه فضل البقاء و عدم إستخدامها ، لأنه يعلم أن مغادرته المحطة كان يعني نهايتها إلى للأبد.
لكن الرائد (سيرجي) و بضعف المدة التي كانت مخططة له، و التي قضاها في الفضاء قد حقق رقماً قياسيا حيث قضى مدة311 يوم.
و المدهش حقا هو عودة رائد الفضاء السوفييتي(سيرجي) إلى الفضاء بعد سنتين و لكن هذه المرة في مكوك تابع لوكالة ناسا الأمريكية(NASA)، ليكون بذلك أول رائد فضاء وطأت قدماه محطة الفضاء الدولية الجديدة (ناسا) إمتنانا لدوره العظيم و مهارته في التعامل مع ظروف الفضاء و التأقلم معها.
#مفاتيح
#مفاتيح_المعرفة
تعليقات
إرسال تعليق
اكتب تعليقك اذا كان لديك اي تساؤل او ايضاح عن الموضوع.